كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


المشهور أنه غزال المسك كالظبي لكن لونه أسود وله نابان لطيفان أبيضان في الأسفل والمسك دم يجتمع في سرته في وقت معلوم من السنة فإذا اجتمع ورم الموضع فمرض الغزال إلى أن تسقط منه وفي مشكل الوسيط لابن الصلاح أن النافجة في جوفه كالانفحة في جوف الجدي يلقيها كما تلقى الدجاجة البيضاء وجمع بأنها تلقينها من سرتها فتتعلق بها إلى أن تنحك بشيء فتسقط قال النووي وأجمعوا على طهارة المسك وجواز بيعه ونقل عن الشيعة فيه مذهب باطل وقال الزمخشري قال الحافظ سألت بعض العطارين من أصحابنا المعتزلة عن المسك فقال لولا أن المصطفى صلى الله عليه وسلم تطيب به ما تطيبت به، وأما الزباد فليس يقرب ثيابي‏.‏ فقلت قد يرتضع الجدي من خنزيرة ولا يحرم لحمه لأن اللبن استحال لحماً وخرج من تلك الطبيعة وتلك الصورة وذلك الاسم فالمسك غير الدم والخل غير الخمر والجوهر لا يحرم لعينه وإنما للأعراض والعلل فلا تنفر منه عند تذكرك الدم فليس منه‏.‏

- ‏(‏حم م د ن عن أبي سعيد‏)‏ الخدري ورواه عنه أيضاً الطيالسي وغيره‏.‏

1122-‏(‏أطيب الكسب‏)‏ أي أفضل طرق الاكتساب، قال ابن الأثير الكسب السعي في طلب الرزق والمعيشة ‏(‏عمل الرجل بيده‏)‏ في صناعته وزراعته ونحو ذلك من الحرف الجائرة غير الدنيئة التي لا تليق به وذكر اليد بعد العمل من قبيل قولهم رأيت بعيني وأخذت بيدي والمقصود منه تحقيق العمل وتقريره والتكسب بالعمل سنة الأنبياء، كان داود عليه السلام يعمل الزرد فيبيعه بقوته وكان زكريا نجاراً ‏(‏وكل بيع مبرور‏)‏ أي مقبول عند الله بأن يكون مثاباً به أو في الشرع بأن لا يكون فاسداً ولا غش فيه ولا خيانة لما فيه من إيصال النفع إلى الناس بتهيئة ما يحتاجونه ونبه بالبيع على بقية العقود المقصود بها التجارة، واعلم أن أصول المكاسب ثلاثة زراعة وصناعة وتجارة والحديث يقتضي تساوي الصناعة باليد والتجارة وفضل أبو حنيفة التجارة ومال الماوردي إلى أن الزراعة أطيب الكل والأصح كما اختاره النووي أن العمل باليد أفضل قال فإن كان زراعاً بيده فهو أطيب مطلقاً لجمعه بين هذه الفضيلة وفضيلة الزراعة‏.‏

- ‏(‏حم ط‏)‏ وكذا في الأوسط ‏(‏ك‏)‏ وكذا البزار ‏(‏عن رافع بن خديج‏)‏ قيل يا رسول الله أي الكسب أطيب فذكره قال الهيتمي فيه المسعودي وهو ثقة لكنه اختلط في آخر عمره وبقية رجال أحمد رجال الصحيح انتهى وقال ابن حجر رجاله لا بأس بهم ‏(‏طب‏)‏ وكذا في الأوسط

‏(‏عن ابن عمر‏)‏ ابن الخطاب قال الهيتمي رجاله ثقات‏.‏

انتهى ومن ثم رمز المصنف لصحته‏.‏

‏[‏ص 548‏]‏ 1123 - ‏(‏أطيب كسب المسلم سهمه في سبيل الله‏)‏ أي ما يكسبه من غنيمة وفيء وسلب قتيل ونحوها لأن ما حصل بسبب الحرص على نصرة دين الله ونيل درجة الشهادة لا شيء أطيب منه فهو أفضل من البيع وغيره مما مر لأنه كسب المصطفى صلى الله عليه وسلم وحرفته‏؟‏ ألا ترى إلى قوله جعل رزقي تحت ظل رمحي، فأفضل الكسب مطلقاً سهم الغازي لما ذكر ثم ما حصل بالاحتراف من عمل اليد لأنه كسب كثير من الأنبياء‏.‏

- ‏(‏الشيرازي في الألقاب عن ابن عباس‏)‏

1124 - ‏(‏أطيب اللحم‏)‏ المأكول أي ألذه وأحسنه كذا جرى عليه جمع وجعله بعضهم من الطيب بمعنى الظاهر ‏(‏لحم الظهر‏)‏ هو على حذف من أو التفضيل فيه نسبي أو إضافي إذ لحم الذراع أطيب منه لأنه أخف على المعدة وأسرع انهضاماً وأنفع ومن ثم كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يحبه ويقدمه على غيره بل ذهب البعض إلى تقديم كل مقدم فقال لحم الرقبة يقدم فالذراع لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الرقبة هادية الشاة وأقربها إلى الخير وأبعدها عن الأذى فالعضد فالظهر لكن الأصح تفضيل الذراع‏.‏

- ‏(‏حم ه ك هب عن عبد الله بن جعفر‏)‏ قال الحاكم في مستدركه صحيح وأقره الذهبي‏.‏

1125 - ‏(‏أطيب الشراب‏)‏ أي أفضله وأحسنه ‏(‏الحلو البارد‏)‏ فإنه موافق للمعدة ملائم للبدن لذيذ للشارب ولهذا كان أحب الأشربة إليه عليه الصلاة والسلام كما يجيء وهو سيد الأشربة كما في خبر آخر لأنه إطفاء للحرارة وأدفع للقلة وأبعث للشكر قال ابن القيم إذا جمع الماء الحلاوة والبرد كان أنفع للبدن وأحفظ للصحة وأكثر تغذية وتنفيذ للطعام إلى الأعضاء، والفاتر ينفخ ويفعل ضد ذلك‏.‏

- ‏(‏ت عن الزهري مرسلاً حم عن ابن عباس‏)‏ قال الهيتمي رجال أحمد رجال الصحيح إلا أن تابعه لم يسم‏.‏

1126 - ‏(‏أطيعوني ما كنت‏)‏ وفي رواية ما دمت ‏(‏بين أظهركم‏)‏ أي مدة كوني بينكم حياً فإني لا آمر ولا أنهى إلا بما أمر الله ونهى عنه لأن دعوتي إنما هي لطاعة الله فطاعتي طاعة الله، ومن خصائصه أن الله فرض طاعته على العالم فرضاً مطلقاً لا شرط فيه ولا استثناء ‏{‏وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا‏}‏ وبين قوله ما دمت أو كنت بين أظهركم المبادرة إلى امتثال أمره ونهيه من غير نظر فيه ولا عرضه على الكتاب لأنه لا ينطق عن الهوى ويخاطب كل قوم وشخص بما يليق بالحال والمكان والزمان، وأما بعده فيجب عند التعارض ونحوه على الصحيح ويراجع الكتاب وينظر في الترجيح كما أشار إليه قوله ‏(‏وعليكم بكتاب الله‏)‏ أي الزموه ثم بين وجه لزومه على طريق الاستئناف بقوله ‏(‏أحلوا حلاله وحرموا حرامه‏)‏ يعني ما أحله افعلوه جازمين بحله وما حرمه دعوه ولا تقربوه فكأنه يقول ما دمت بين أظهركم فعليكم باتباع ما أقول وأفعل فإن الكتاب عليّ نزل وأنا أعلم الخلق وأما بعدي فالزموا الكتاب فما أذن في فعله فخذوا به وما نهى عنه فانتهوا به، وعلم من التقرير المار أن لفظ الظهر مقحم للتأكيد‏.‏

قال العارف ابن عربي قد صح عندنا بالتواتر أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً وأنه جاء من عند الله بما يدل على صدقه وهو القرآن المعجز وأنه ما استطاع أحد معارضته فثبت العلم بأنه البناء الحق والقول الفصل والأدلة سمعية وعقلية وإذا حكما بأمر فلا شك أنه يجب العمل بمضمونه فلزمنا أن نلتزم أحكامه وتحل حلاله وتحرم حرامه وهو بمنزلة الدليل ‏[‏ص 549‏]‏ العقلي في الدلالة فلا يحتاج مع ثبوت هذا الأصل إلى دلالة‏.‏

- ‏(‏طب عن عوف‏)‏ بفتح المهملة أوله وآخره فاء ‏(‏ابن مالك الأشجعي‏)‏ قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مرعوب أو قال موعوك فذكره قال الهيتمي رجاله ثقات موثقون وقال المنذري رجاله ثقات‏.‏

1127 - ‏(‏أظهروا النكاح‏)‏ أي أعلنوا عقده واضربوا عليه بالدفوف ‏(‏وأخفوا الخطبة‏)‏ بكسر الخاء أسروها ندباً وهي الخطاب في غرض التزوج قال الحراني هي هيئة الحال فيما بين الخاطب والمخطوبة الذي النطق بها هو الخطبة بضم الخاء وألحق بعضهم بطلب إعلان النكاح ونوزع والأوجه حمل الإظهار على ختان الذكر والإخفاء على ختان الأنثى وسيأتي لذلك مزيد توضيح‏.‏

- ‏(‏فر عن أم سلمة‏)‏ وفيه من لا يعرف لكن له شواهد تجبره‏.‏

1128 - ‏(‏أعبد الناس‏)‏ من هذه الأمة أي أكثرهم عبادة ‏(‏أكثرهم تلاوة للقرآن‏)‏ لأنه أفضل الذكر العام والعبادة الطاعة مع خضوع وتذلل لله وحده، وقيل لغة الخضوع وعرفاً فعل المكلف على خلاف هوى نفسه تعظيماً لربه‏.‏

- ‏(‏فر عن أبي هريرة‏)‏ وفيه ضعف‏.‏

1129 - ‏(‏أعبد الناس أكثرهم تلاوة للقرآن وأفضل العبادة الدعاء‏)‏ أي الطلب من الله تعالى وإظهار التذلل والافتقار بين يديه والمراد أنّ كلاً منهما من الأفضل فلا يلزم منه أن الدعاء أفضل من القراءة هذا والأوجه حمل الدعاء على الصلاة فهي أفضل العبادات مطلقاً بعد الإيمان وهي مشتملة على الدعاء والقرآن‏.‏

- ‏(‏المرهبي‏)‏ بضم الميم وبموحدة نور الهدى حسين بن علي ‏(‏في‏)‏ كتاب فضل ‏(‏العلم له عن يحيى بن أبي كثير مرسلاً‏)‏ هو أبو نصر اليماني مولى طيء أحد الأعلام والعلماء العباد، وأردف المؤلف المسند بهذا المرسل إشارة إلى تقويته به‏.‏

1130 - ‏(‏اعبد‏)‏ بهمزة وصل مضمومة ‏(‏الله‏)‏ أي أطعه فيما أمر ونهى والعبادة الطاعة كما تقرر ولما كان أحد قسمي الكفار يأتون بصورة عبادة لكن يشركون معه غيره تعالى عقب العبادة بنفي الشرك صريحاً وإن كان ذلك من لوازم العبادة الصحيحة فقال ‏(‏لا تشرك به شيئاً‏)‏ حال من ضمير اعبد أي اعبد الله غير مشرك به شيئاً صنماً ولا غيره أو شيئاً من الإشراك جلياً أو خفياً وأعم من ذلك البراءة من الشرك العظيم بأن لا يتخذ مع الله إلهاً آخر لأن الشرك في الإلهية لا يصح معه المعاملة بالعبادة وأخص منه الإخلاص بالبراءة من الشرك الخفي بأن لا يرى لله فيه شريكاً في شيء من أسمائه الظاهرة لأن الشرك في سائر أسمائه الظاهرة لا يصح معه القبول، ذكره الحراني ‏(‏وأقم الصلاة المكتوبة وأدّ الزكاة المفروضة‏)‏ إلى مستحقيها قيد الزكاة به مع أنها لا تكون إلا مفروضة حثاً عليها لأن المال محبوب والطبيعة تشح به أو لأن الزكاة تطلق على إعطاء المال تبرعاً والتقرب بالفرض أفضل من التقرب بالنفل ‏(‏وحج‏)‏ البيت ‏(‏واعتمر‏)‏ أي ائت بالحج والعمرة المفروضتين وهي مرة في العمر إن استطعت إليهما سبيلاً ومن تطوع فهو خير له ‏(‏وصم‏)‏ كل سنة ‏(‏رمضان‏)‏ حيث لا عذر ‏(‏وانظر‏)‏ أي تأمّل وتدبر فهو من الرأي لا الرؤية ‏(‏ما تحب للناس أن يؤتوه إليك‏)‏ أي يعاملوك به ‏(‏فافعله بهم‏)‏ أي عاملهم به ‏(‏وما تكره أن يأتوه إليك فذرهم‏)‏ أي اتركهم ‏(‏منه‏)‏ أي من فعله بهم فإنك إن فعلت ذلك ‏[‏ص 550‏]‏ استقام لك الحال ونظروا إليك بعين الكمال والإجلال واستجلبت ودهم وأمنت شرهم، والأمر في الخمسة الأول للفرضية وفي الأخيرة للندب في المندوب والوجوب في الواجب، والقصد به الحث على مكارم الأخلاق والمحافظة على معالي الأمور والتحذير من سفسافها وأدانيها، والخطاب وإن وقع لواحد لكن المراد به كل مكلف ممن في زمنه ومن بعده‏.‏

- ‏(‏طب عن أبي المنتفق‏)‏ العنبري صحابي روى عن أبيه رمز المصنف لحسنه‏.‏

1131 - ‏(‏اعبد الله‏)‏ مقصوده كما قال الحراني حمل الخلق على صدق التذلل أثر التطهير من رجسهم ليعود بذلك وصل ما انقطع وكشف ما انحجب ولما ظهر لهم خوف الزجر من زجر عبادة إله آخر أثبت لهم الأمر بالتفريد حيث قال ‏(‏ولا تشرك به شيئاً‏)‏ أي لا تشرك معه في التذلل له شيئاً أيّ كان وهذا أول ما أقام الله من بناء الدين وجمع بينهما لأن الكفار كانوا يعبدونه في الصورة ويعبدون معه أوثاناً يزعمون أنها شركاؤه ‏(‏واعمل لله كأنك تراه‏)‏ رؤية معنوية يعني كن عالماً متيقظاً لا ساهياً ولا غافلاً وكن مجداً في العبودية مخلصاً في النية آخذاً أهبة الحذر فإن من علم أنّ له حافظاً رقيباً شاهداً لحركاته وسكناته فلا يسيء الأدب طرفة عين ولا لمحة خاطر وهذا من جوامع الكلم وقال هنا اعمل لله وقال في حديث الصحيحين اعبد الله لأن العمل أعم فيشمل ‏(‏واعدد نفسك في الموتى‏)‏ وترحل عن الدنيا حتى تنزل بالآخرة وتحل فيها حتى تبقى من أهلها وأنك جئت إلى هذه الدار كغريب يأخذ منها حاجته ويعود إلى الوطن الذي هو القبر وقد قال علي كرم الله وجهه إن الدنيا قد ترحلت مدبرة والآخرة ترحلت مقبلة ولكل منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل انتهى، فكأنك بالموت وقد سقاك كأسه على غفلة فصرت من عسكر الموتى فنزل نفسك منزلة من قضى نحبه واترك الحرص واغتنم العمل وقصر الأمل ومن تصور في نفسه أنه يعيش غداً لا يهتم له ولا يسعى لكفايته فيصير حراً من رق الحرص والطمع والذل لأهل الدنيا قال ابن الجوزي إذا رأيت قبراً فتوهمه قبرك وعد باقي الحياة ربحاً ‏(‏واذكر الله تعالى عند كل حجر وكل شجر‏)‏ أي عند مرورك على كل شيء من ذلك فالمراد ذكره على كل حال قال العارفون‏:‏ ومن علامات صحة القلب أن لا يفتر عن ذكر ربه ولا يسأم من خدمته ولا يأنس بغيره ولما كان ذلك كله يرجح إلى الأمر بالتقوى والاستقامة وكمال ذلك لا يكون إلا لمن اتصف بالعصمة وحفظ عن كل وصمة وأما غيره فلا بد له من سقطة أو هفوة‏:‏ أرشد إلى تدارك ما عساه يكون من الذنوب بقوله ‏(‏وإذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة‏)‏ تمحها لأن الحسنات يذهبن السيئات ‏(‏السر بالسر والعلانية بالعلانية‏)‏ أي إن عملت سيئة فقابلها بحسنة سرية وإن عملت سيئة علانية فقابلها بحسة علانية، هذا هو الأنسب، وليس المراد أن الخطيئة السرية لا يكفرها إلا توبة جهرية وعكسه كما ظنّ وقيل أراد بتوبة السر الكفارة التي تكون للصغيرة بالعمل الصالح والقسم الثاني بالتوبة كما سبق موضحاً‏.‏

- ‏(‏طب هب‏)‏ من حديث أبي سلمة ‏(‏عن معاذ‏)‏ بن جبل قال أردت سفراً فقلت يا رسول الله أوصني فذكره قال المنذري ورواه الطبراني بإسناد جيد إلا أن فيه انقطاعاً بين أبي سلمة ومعاذ وقال الحافظ العراقي رجاله ثقات وفيه انقطاع انتهى وقال تلميذه الهيتمي أبو سلمة لم يدرك معاذاً ورجاله ثقات وقد رمز المصنف لحسنه‏.‏

‏[‏ص 551‏]‏ 1132 - ‏(‏اعبد الله‏)‏ وحده حال كونك ‏(‏كأنك تراه‏)‏ فإن العبد إذا علم أن الله مطلع على عبادته وسره وعلنه فيها اجتهد في إخلاصه وإتقانها على أكمل ما أمكنه وليس في هذا ونحوه ما يدل على جواز رؤيته تعالى في الدنيا كما وهم ‏(‏وعد نفسك في الموتى‏)‏ أي اقطع أطماعك في الدنيا وأهلها واخمل ذكرك واخف شأنك كما أن الموتى قد انقطعت أطماعهم من الدنيا وأهلها واشهد مشاهد القيامة وعد نفسك ضيفاً في بيتك وروحك عارية في بدنك خاشع القلب متواضع النفس بريء من الكبر تنظر إلى الليل والنهار فتعلم أنها في هدم عمرك ومن عقد قلبه على ذلك استراح من الهموم وانزاحت عنه الغموم ‏(‏وإياك ودعوات المظلوم‏)‏ أي احذرها واجتنب ما يؤدي إليها وفي رواية دعوة المظلوم بالإفراد ‏(‏فإنهن مجابات‏)‏ بلا شك لما مر أنها ليس بينها وبين الله حجاب وأنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة ‏(‏وعليك بصلاة الغداة‏)‏ أي الصبح ‏(‏وصلاة العشاء فاشهدهما‏)‏ أي احضر جماعتهما ودوام عليهما ‏(‏فلو تعلمون‏)‏ جمع بعد الإفراد إشارة إلى أن الخطاب وإن وقع لمفرد معين فالقصد التعميم ‏(‏ما فيهما‏)‏ من مزيد الفضل ومضاعفة الأجر وكثرة الثواب وقمع النفس والشيطان وقهر أهل النفاق والطغيان ‏(‏لأتيتموهما‏)‏ أي أتيتم محل جماعتهما ‏(‏ولو‏)‏ كان إتيانكم له إنما هو ‏(‏حبواً‏)‏ أي زحفاً على الإست أو على الأيدي والأرجل يعني لجئتم إلى محل الجماعة لفعليهما معهم ولو بغاية المشقة والجهد والكلفة فكنى بالزحف عن ذلك، ووجه تخصيصهما بذلك ما فيهما من المشقة كما مر‏.‏

- ‏(‏طب‏)‏ عن رجل من النخع ‏(‏عن أبي الدرداء‏)‏ قال الرجل سمعت بالدرداء حين حضرته الوفاة يقول أحدثكم حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وضعفه المنذري وقال الهيتمي الرجل الذي من النخع لم أعرفه ولم أجد من ذكره والمصنف رمز لحسنه وفيه ما ترى‏.‏

1133 - ‏(‏اعبد الله كأنك تراه‏)‏ ومحال أن تراه وتشهد معه سواه وهذا يسمى مقام المشاهدة والمراقبة وهو أن لا يلتفت العابد في عبادته بظاهره إلى ما يلهيه عن مقصوده ولا يشتغل باطنه بما يشغله عن مشاهدة معبوده فإن لم يحصل له هذا المقام هبط إلى مقام المراقبة المشار إليه بقوله ‏(‏فإن لم تكن تراه فإنه يراك‏)‏ أي أنك بمرأى من ربك لا يخفاه شيء من أمرك ومن علم أن معبوده مشاهد لعبادته تعين عليه تزيين ظاهره بالخشوع وباطنه بالإخلاص والحضور فإنه ‏{‏يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور‏}‏ وفيه حث على كمال الإخلاص ولزوم المراقبة‏.‏ قيل راود رجل امرأة فقالت ألا تستحي فقال لا يرانا إلا الكواكب قالت فأين أنت من مكوكبها‏؟‏ وقال العارف ابن عربي لو لم يبصرك ولم يسمعك لجهل كثيراً منك ونسبة الجهل إليه محال فلا سبيل إلى نفي هاتين الصفتين عنه بحال ‏(‏واحسب نفسك مع الموتى‏)‏ أي عد نفسك من أهل القبور وكن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ‏(‏واتق دعوة المظلوم‏)‏ أي دعواته إذ هو مفرد مضاف ‏(‏فإنها مستجابة‏)‏ ولو بعد حين كما سبق‏.‏

- ‏(‏حل عن زيد بن أرقم‏)‏ ابن زيد بن قيس الأنصاري صحابي مشهور أول مشاهده الخندق، رمز المصنف لحسنه‏.‏

1134 - ‏(‏اعبد الله ولا تشرك به شيئاً وزل‏)‏ بضم الزاي وسكون اللام من الزوال وهو الذهاب ‏(‏مع القرآن أينما زال‏)‏ ‏[‏ص 552‏]‏ أي ارتحل معه أينما ارتحل فأحل حلاله وحرم حرامه وراع أحكامه ودر معه كيفما دار فإنه المزيل لأمراض الشبه المفسدة للعلم والتصور والإدراك كفيل بردّ النحل الباطلة والمذاهب الفاسدة على أحسن الوجوه وأقربها إلى العقول وأفصحها وأنجحها، وأنفع الأغذية غذاء الإيمان وأنفع الأدوية دواء القرآن ‏(‏واقبل الحق‏)‏ أي قوله وفعله ‏(‏ممن جاء به من صغير أو كبير‏)‏ أي من مسنّ أو حديث السنّ أو جليل العذر أو وضيع فالمراد الصغير والكبير حساً ومعنى ‏(‏وإن كان بغيضاً‏)‏ لك ‏(‏بعيداً‏)‏ منك بعداً حسياً أو معنوياً ‏(‏واردد الباطل‏)‏ بشرط سلامة العاقبة ‏(‏ممن جاء به من صغير أو كبير وإن كان حبيباً‏)‏ لك ‏(‏أو قريباً‏)‏ منك حساً أو معنى نسيباً أو غيره والخطاب وإن كان ورد جواباً لسؤال طالب للتعليم لكن المراد به العموم وفيه وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن الوجوب لا يسقط لكون الآتي بالباطل حبيباً أو قريباً كالأصل والفرع والشيخ والسيد والحاكم والقاضي بشرطه‏.‏

- ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في التاريخ ‏(‏عن ابن مسعود‏)‏ قال قلت للنبي صلى الله عليه وسلم علمني كلمات جوامع نوافع فذكره ورواه عن الديلمي أيضاً باللفظ المذكور وفيه عبد القدوس بن حبيب الدمشقي قال الذهبي في الضعفاء تركوه‏.‏

1135 - ‏(‏اعبدوا الرحمن‏)‏ أي أفردوه بالعبادة فإنه المنعم بجلائل النعم ودقائقها أصولها وفروعها فخص اسم الرحمن للتنبيه على ذلك ولمناسبته لقوله ‏(‏وأطعموا‏)‏ بهمزة قطع ‏(‏الطعام‏)‏ للخاص والعام، البر والفاجر ‏(‏وأفشوا‏)‏ بهمزة قطع مفتوحة ‏(‏السلام‏)‏ أظهروه وعموا به المؤمنين ولا تخصوا به المعارف إحياء للسنة ونشراً للأمان بين الأمة وقصداً إلى التحابب والتوادد واستكثاراً للإخوان لأن كلمته إذا صدرت أخلصت القلوب الواعية لها عن النفرة إلى الإقبال عليها وهي أول كلمة تفاوض فيها آدم مع الملائكة ‏(‏تدخلوا‏)‏ بالجزم جواب الأمر ‏(‏الجنة بسلام‏)‏ أي إذا فعلتم ذلك ودمتم عليه وشملتكم الرحمة يقال لكم ‏{‏سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين‏}‏ آمنين ‏{‏لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون‏}‏ قال الزين العراقي فيه أن هذه الأعمال موصلة إلى الجنة وهو موافق لقوله تعالى ‏{‏تلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون‏}‏ ولا يشكل بخبر ‏"‏لن يدخل أحدكم الجنة بعمله‏"‏ لما قال ابن عباس إنهم يدخلونها بالرحمة ويقتسمون المنازل بالأعمال الصالحة، فعليه تكون وراثتهم للمنازل بهذه الأعمال الصالحة بفضل الله فهو الموفق لها والمجازي عليها فضلاً منه لا وجوباً كما تقوله المعتزلة ‏(‏خاتمة‏)‏ قال المحققون‏:‏ للعبادة درجات ثلاث الأولى أن يعبد الله طلباً للثواب وهرباً من العقاب وهي نازلة جداً لأن معبوده بالحقيقة ذلك الثواب الثانية أن تعبده لتتشرف بعبادته، والنسبة إليه وهي أعلى لكنها غير خالصة إذ القصد بالذات غير الله والثالثة أن تعبده لكونه إلهاً وأنت عبده وهذه أعلاها‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ وقال حسن صحيح ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال قلت يا رسول الله إذا رأيتك طابت نفسي وقرّت عيني فأنبئني عن كل شيء قال كل شيء يخلق من ماء قلت أنبئني بشيء إذا فعلته دخلت الجنة فذكره‏.‏

1136 - ‏(‏اعتبروا‏)‏ إرشاداً ‏(‏الأرض بأسمائها‏)‏ أي تدبروها من قولهم عبرت الكتاب إذا تدبرته فإذا وجدتم اسم بقعة من البقاع مكروهاً فاستدلوا به على أن تلك البقعة مكروهة فاعدلوا عنها إن أمكن أو غيروا اسمها فإن معاني الأسماء مرتبطة بها مأخوذة منها حتى كأنها منها اشتقت ولذلك لما مر المصطفى صلى الله عليه وسلم في مسيره بين جبلين فقيل ما اسمهما‏؟‏ ‏[‏ص 553‏]‏ فقيل فاضح وفجر، فعدل عنهما‏.‏ ولما نزل الحسين رضي الله عنه بكربلاء سأل عن اسمها فقيل كربلاء، فقال كرب وبلاء فكان ما كان‏.‏ ولما وقفت حليمة السعدية على عبد المطلب قال من أين أنت‏؟‏ قالت من بني سعد‏:‏ قال ما اسمك‏؟‏ قالت حليمة‏:‏ قال بخ بخ سعد وحلم خصلتان فيهما غنى الدهر‏.‏ وليس هذا من الطيرة المنهي عنها‏.‏ ولما نزل الأشعث دير الجماجم ونزل الحجاج دير قرة قال استقر الأمر بيدي وتجمجم أمره، والله لأقتلنه، ونظيره في أسماء الآدميين ما في الموطأ عن عمر رضي الله عنه أنه قال لرجل ما اسمك‏؟‏ قال‏:‏ جمرة، قال ابن من‏؟‏ قال ابن شهاب، قال ممن‏؟‏ قال من الحرقة، قال أين مسكنك‏؟‏ قال بحرة النار، قال بأيها‏؟‏ قال بذات لظى‏.‏ قال أدرك أهلك فقد احترقوا، فكان كذلك ‏(‏واعتبروا الصاحب بالصاحب‏)‏ فإن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف، والتعارف هو التشاكل المعنوي الموجب لاتحاد الذوق الذي يدرك ذوق صاحبه فذلك علة الائتلاف، كما أن التناكر ضده، ولذلك قيل فيه‏:‏

ولا يصحب الإنسان إلا نظيره * وإن لم يكونوا من قبيل ولا بلد

وقيل‏:‏ انظر من تصاحب فقل من نواة طرحت مع حصاة إلا أشبهتها، ولهذا قال الإمام الغزالي تبعاً لبعض الحكماء لا يتفق اثنان في عشرة إلا وفي أحدهما وصف من الآخر حتى الطير، ورأى بعضهم مرة غراباً مع حمامة فاستبعد المناسبة بينهما ثم تأمل فوجدهما أعرجين، فإذا أردت أن تعرف من غابت عنك خلاله بموت أو غيبة أو عدم عشرة امتحن أخلاق صاحبه وجليسه بذلك، وذلك يدل على كماله أو نقصه كما يدل الدخان على النار ولهذا قيل فيه‏:‏

إذا أردت ترى فضيلة صاحب * فانظر بعين البحث من ندمائه

فالمرء مطوي على علاته * طي الكتاب وتحته عنوانه

وإذا صاحب الرجل غير شكله لم تدم صحبته‏.‏

- ‏(‏عد عن ابن مسعود‏)‏ عبد الله مرفوعاً ‏(‏هب عنه‏)‏ موقوفاً‏.‏ قال بعضهم‏:‏ طرقه كلها ضعيفة لكن له شواهد كخبر الطبراني‏:‏ اعتبروا الناس بإخوانهم‏.‏

1137 - ‏(‏اعتدلوا في السجود‏)‏ أي كونوا فيه متوسطين، وأوقعوه على الهيئة المأمور بها من وضع أكفكم فيه على الأرض ورفع مرافقكم عنها وعن أجنابكم ورفع بطونكم عن أفخاذكم لأنه أشبه بالتواضع وأبلغ في تمكين الجبهة بالأرض ‏(‏ولا يبسط‏)‏ بالجزم على النهي أي المصلي ‏(‏ذراعيه‏)‏ أي لا يبسطهما فينبسط ‏(‏انبساط الكلب‏)‏ يعني لا يفرشهما على الأرض في الصلاة فإنه مكروه لإشعاره بالتهاون وقلة الاعتناء بالصلاة، ومن ذلك التقرير علم أن المراد بالاعتدال هنا إيقاع السجود على وفق الأمر وجوباً وندباً كما تقرر لا الاعتدال الجبلي المطلوب في الركوع فإنه استواء الظهر والعنق، والواجب هنا ارتفاع الأسافل على الأعالي وتمكين الجبهة مكشوفة بالأرض والتحامل عليها مع الطمأنينة فإذا حصل ذلك صحت صلاته وإن بسط ذراعيه ولم يجاف مرفقيه لكنه مكروه لهذا النهي والكلام من حيث التفريق في الذكر أما الأنثى فيسن لها الضم لأنه أستر لها كما مر‏.‏ وقوله يبسط بمثناة فموحدة هو ما وقع في خط المؤلف تبعاً للعمدة وغيرها، وفي رواية يبتسط بزيادة مثناة فوقية بعد الموحدة، وفيه إيماء إلى النهي عن التشبه بالحيوانات الخسيسة في الأخلاق والصفات وهيئة القعود ونحو ذلك‏.‏

- ‏(‏حم ق 4 عن أنس‏)‏ بن مالك‏.‏

1138 - ‏(‏أعتق‏)‏ فعل ماض ‏(‏أم إبراهيم‏)‏ مارية القبطية سريته صلى الله عليه وسلم وهي بالنصب مفعول أعتق ‏(‏ولدها‏)‏ إبراهيم‏:‏ أي أثبت لها حرمة الحرية وأطلق الولد لعدم الالتباس فإنها لم تلد غيره، وأجمعوا على أن ولد الرجل من أمته ينعقد حراً‏.‏ وما كان فيه من الخلاف بين الصدر الأول فقد انقرض، فإذا أحبل الرجل الحر ولو كافراً أو محجوراً عليه بسفه أو فلس أمته ولو محرماً له بنسب أو رضاع أو مصاهرة أو من يملك بعضها وهو موسر فوضعت ولداً ‏[‏ص 554‏]‏ أو بعضه وإن لم تضع باقيه أو وضعت مضغة ظهر خلقها ولو للنساء عتقت بموته من رأس المال وإن قتلته أو أحبلها في مرض موته عند الشافعي‏.‏

- ‏(‏ه قط ك هق عن ابن عباس‏)‏ قال ذكرت أم إبراهيم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره‏.‏ قال الذهبي في المهذب‏:‏ فيه حسين بن عبد الله ضعفوه‏.‏ وقال ابن حجر‏:‏ فيه حسين ضعيف لكن له طريق عند قاسم بن أصبغ سندها جيد أهـ فلو عدل المصنف الطريق لكان أجود‏.‏

1139 - ‏(‏أعتقوا‏)‏ بفتح الهمزة ‏(‏عنه‏)‏ أي عمن وجبت عليه كفارة القتل ‏(‏رقبة‏)‏ أي عبداً أو أمة موصوفة بصفات الإجزاء في الكفارة ‏(‏يعتق الله‏)‏ بكسر القاف لالتقاء الساكنين فإنه مجزوم جواب الأمر ‏(‏بكل عضو منها عضواً منه من النار‏)‏ أي إن استحق دخولها، زاد في رواية الترمذي‏:‏ حتى الفرج بالفرج‏.‏

- ‏(‏د ك‏)‏ في الكفارة وكذا ابن حبان والطبراني ‏(‏عن وائلة‏)‏ بن الأسقع‏.‏ قال‏:‏ أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا أوجب ‏(‏قوله أوجب‏:‏ أي يعني النار بالعمل‏:‏ أي ارتكب خطيئة استوجب بها دخول النار لقتله المؤمن عمداً عدواناً‏.‏ لقوله تعالى ‏{‏ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم‏}‏أهـ‏)‏ بالقتل، أي استحقه به فذكره أهـ قال الحاكم صحيح على شرطهما ‏(‏قوله على شرطهما‏:‏ أعني على شرط البخاري ومسلم‏)‏ وأقره الذهبي، وفيه وجوب العتق في كفارة القتل، فإن عدم رقبة مؤمنة كاملة مجزئة أو احتاجها للخدمة لزمه صوم شهرين متتابعين فإن عجز عن الصيام أو عن تتابعه ترتبت الكفارة في ذمته، وفيه أن الرقبة لا بد من كونها مؤمنة لأن الكفارة منقذة من النار، فلا تحصل إلا بمنقذة من النار، وأشار بقوله حتى الفرج بالفرج‏:‏ إلى غفران الكبائر المتعلقة بأعضائها كلها، ومنه أخذ أنه ينبغي أن يكون العبد المعتق غير خصي‏.‏

1140 - ‏(‏اعتكاف عشر‏)‏ من الأيام‏:‏ أي لبثها بنية في مسجد ‏(‏في رمضان كحجتين وعمرتين‏)‏ أي يعدل ثواب حجتين وعمرتين غير مفروضتين ولذلك اعتكف المصطفى صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط ثم كان الأخير وواظبه حتى مات، والأوجه حمل العشر هنا على الأخير فإنه إذا اعتكفه متحرياً ليلة القدر وقام لياليه كلها كأنه قد قام ليلة القدر التي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر وذلك أكثر ثواباً من ثواب حجتين وعمرتين بلا ريب، وفيه جواز ذكر رمضان بغير شهر‏.‏

- ‏(‏طب عن الحسين بن علي‏)‏ بن أبي طالب رضي الله عنهما، رمز المصنف لضعفه وهو كما قال فقد قال الهيتمي‏:‏ فيه عنبسة بن عبد الرحمن القرشي وهو متروك أهـ‏.‏

1141 - ‏(‏اعتموا‏)‏ بفتح الهمزة وكسر المثناة فوق ‏(‏بهذه الصلاة‏)‏ صلاة العشاء‏.‏ والباء للتعدية‏:‏ أي ادخلوها في العتمة وهي ما بعد غيبوبة الشفق أو للمصاحبة‏:‏ أي ادخلوها في العتمة ملتبسين بها‏.‏ قال البيضاوي‏:‏ أعتم الرجل‏:‏ دخل في العتمة وهي ظلمة الليل أي صلوها بعد ما دخلتم في الظلمة وتحقق لكم سقوط الشفق ولا تستعجلوا فيها فتوقعوها قبل وقتها وعليه فلا يدل على أفضلية التأخير، ويحتمل أنه من العتم الذي هو الإبطاء يقال أعتم الرجل إذا أخر أهـ ‏(‏فإنكم قد فضلتم‏)‏ بالبناء للمفعول ‏(‏بها على سائر الأمم ولم تصلها أمة قبلكم‏)‏ والمناسبة بين تأخيرها واختصاصها بنا المجوز لجعل الثاني علة للأول أنهم إذا أخروها منتظرين خروج النبي كانوا في صلاة وكتب لهم ثواب المصلي، وفيه أن تأخير العشاء أفضل وإليه ذهب جمع منا فقالوا تأخيرها إلى ثلث الليل أفضل، لكن المفتى به خلافه لأدلة أخرى، قال المؤلف وفي خبر أحمد والطبراني ما يدل على نسخ التأخير بالتعجيل‏.‏ قال المصنف‏:‏ وقوله فضلتم بها إلخ ‏[‏ص 555‏]‏ يبطل نقل الإسنوي عن شرح مسند الشافعي للرافعي أن العشاء ليونس، وقد أخرج الطحاوي عن عبد الله بن محمد ابن عائشة أن أول من صلى العشاء الأخرة نبينا أهـ، وهو زلل فاحش، أما أولاً فلأن الرافعي لم يقل ذلك من عنده، بل أورد فيه حديثاً وبفرض أنه لم يرد به خبر فما الذي يصنعه بقول جبريل حين صلى به الخمس‏:‏ هذا وقت الأنبياء من قبلك‏؟‏ فهل يسعه أن يقول أثر الطحاوي هذا الضعيف الذي صرح بعض الأئمة بعدم ثبوته يبطل خبر الصحيحين أيضاً على أنه قد روى ابن سعد في‏:‏ استمتعوا بهذا البيت‏:‏ المار أن إبراهيم وإسماعيل أتيا منى فصليا بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، وأما ثانياً فإن تعبيره بقوله يبطل نقل الاسنوي ركيك بل سقيم فاسد فإنه إنما يبطل على زعمه منقوله لا نقله فإن ما نقله الاسنوي عن شرح المسند موجود فيه وجلالة الإمام الرافعي ورفعة محله أشهر من أن تذكر فالأدب معه متعين على كل من انتسب إلى مذهب الإمام الشافعي، وأما ثالثاً فلأن ظاهر حاله أنه يزعم أن هذا من عندياته وبنات أفكاره التي لم يسبق إليها ولم يعرج أحد عليها وهو قصور أو تقصير، فقد تقدمه للكلام فيه العلامة الهروي وجمع صاروا إلى التوفيق بما حاصله أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أول من صلاها مؤخراً لها إلى ثلث الليل أو نحوه، وأما الرسل فكانوا يصلونها عند أول مغيب الشفق، ويدل لذلك بل يصرح به قوله في أثر الطحاوي نفسه العشاء الآخرة، وبأن الرسل كانت تصليها نافلة لهم ولم تكتب على أممهم، ومن صرح بذلك القاضي البيضاوي في شرح المصابيح فقال التوفيق بين قوله لم تصلها أمة قبلكم وقوله في حديث جبريل‏:‏ هذا وقت الأنبياء من قبلك أن يقال إن صلاة العشاء كانت تصليها الرسل نافلة لهم ولم تكتب على أممهم كالتهجد فإنه وجب على الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يجب علينا أو يجعل هذا إشارة إلى وقت الإسفار فإنه قد اشترك فيه جميع الأنبياء الماضية والأمم الدارجة بخلاف سائر الأوقات‏.‏

إلى هنا كلامه‏.‏

- ‏(‏د‏)‏ في الصلاة وكذا البيهقي وأحمد والطبراني ‏(‏عن معاذ‏)‏ ابن جبل قال‏:‏ استبطأنا النبي - أي انتظرناه - العتمة فتأخر حتى ظن الظان أنه ليس بخارج والقائل ما يقول صلى، فإنا لكذلك حتى خرج فقالوا له كما قالوا فذكره، رمز المؤلف لحسنه‏.‏

1142 - ‏(‏اعتموا‏)‏ بكسر الهمزة وشد الميم‏:‏ أي البسوا العمائم ندباً ‏(‏تزدادوا حلماً‏)‏ بكسر فسكون‏:‏ أي يكثر حلمكم ويتسع صدركم لأن تحسين الهيئة يبعث على الوقار والاحتشام وعدم الخفة والطيش والسفه، وفي حديث أنه يسن إذا اعتم أن يرخى لها عذبة بين كتفيه‏.‏

- ‏(‏طب عن أسامة بن عمير‏)‏ مصغر بن عامر الهذلي صحابي كوفي ‏(‏طب‏)‏ من حديث محمد ابن صالح بن الوليد عن بلال بن بشر عن عمران بن تمام عن أبي حمزة عن ابن عباس ‏(‏ك‏)‏ في اللباس من حديث عبد الله بن أبي حميد عن أبي المليح ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ وقال الحاكم صحيح ورده الذهبي بأن عبيد الله هذا تركه أحمد وغيره اهـ‏.‏ قال الهيتمي عقب عزوه للطبراني عن ابن عباس‏:‏ فيه عمران بن تمام ضعفه أبو حاتم وبقية رجاله ثقات وأورده ابن الجوزي في الموضوع اه‏.‏ وتعقبه المصنف فلم يأت يطائل، وبالجملة فطرقه كلها ضعيفة‏.‏ أما طريق الطبراني فقد علمت قول الهيتمي فيهما، وأما حديث الحاكم فقال الترمذي في العلل‏:‏ سألت محمداً يعني البخاري عنه فقال عبيد الله بن أبي حميد ضعيف ذاهب الحديث لا أروي عنه شيئاً اهـ‏.‏ وأما وضعه فممنوع‏.‏

1143- ‏(‏اعتموا‏)‏ ندباً ‏(‏تزدادوا حلماً والعمائم تيجان العرب‏)‏ أي العمائم لهم بمنزلة التيجان للملوك لأنهم أكثر ما يكونون في البوادي مكشوفة رؤوسهم أو بالقلانس والعمائم فيهم قليلة وفيه كالذي قبله ندب لبس العمائم ويتأكد للصلاة، ولا يعارضه قوله في الحديث المار‏:‏ ائتوا المساجد حسراً ومعصبين لأن القصد به الحث على إتيان المساجد للصلاة كيف كان وأنه لاعذر في التخلف عنها بفقد العمامة وإن كان التعميم عند إمكانه أفضل كما مر وينبغي ضبط طولها ‏[‏ص 556‏]‏ وعرضها بما يليق بحال لابسها عادة في زمانه ومكانه، فإن زاد على ذلك كره وتتقيد كيفيتها بعادة أمثاله أيضاً، ولذلك انخرمت مروءة فقيه يلبس عمامة سوقي وعكسه وخرمها مكروه بل حرام على من تحمل شهادة لأن فيه إبطالاً لحق الغير ولو اطردت عادة محل بعدمها أصلاً لم ينخرم به المروءة على الأصح خلافاً لبعضهم، والأفضل في لونها البياض وصحة لبس المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لعمامة سوداء ونزول أكثر الملائكة يوم بدر بها وقائع محتملة فلا ينافي عموم الإخبار بالأمر بلبس البياض‏.‏

- ‏(‏عد هب‏)‏ كلاهما من حديث إسماعيل بن عمر أبي المنذر عن يونس بن أبي إسحاق عن عبيد الله بن أبي حميد عن أبي المليح ‏(‏عن أسامة بن عمير‏)‏ ثم قال - أعني البيهقي - لم يحدث به إلا إسماعيل بن عمر عن يونس بن أبي إسحاق اهـ وإسماعيل هذا ضعفوه، ويونس أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال ثقة، قال أبو حاتم‏:‏ لا يحتج بحديثه، وقال ابن خراش‏:‏ في حديثه لين، وقال ابن حزم‏:‏ ضعفه يحيى القطان وأحمد ابن حنبل جداً اهـ ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه ولم يتعقبه المؤلف إلا بأن له شاهداً وأصله قول ابن حجر في الفتح خرجه الطبراني والترمذي في العلل المفردة وضعفه عن البخاري وقد صححه الحاكم فلم يصب‏.‏ قال وله شاهد عند البزار عن ابن عباس ضعيف أيضاً‏.‏

1144 - ‏(‏اعتموا‏)‏ بكسر المثناة وخفة الميم‏:‏ أي صلوا العشاء في العتمة يقال أعتم الرجل إذا دخل في العتمة كما يقال أصبح إذا دخل في الصباح والعتمة ظلمة الليل، وقال الخليل‏:‏ العتمة من الليل ما بعد غيبوبة الشفق‏:‏ أي صلوها بعد ما دخلتم في الظلمة وتحقق لكم سقوط الشفق ولا تستعجلوا فيها فتوقعوها قبل وقتها وعلى هذا لم يدل على أن التأخير فيه أفضل، ويحتمل أن يقال إنه من العتم الذي هو الإبطاء، يقال أعتم الرجل قراه إذا أخره ذكره كله القاضي البيضاوي، وقيل إنما هو اعتموا‏:‏ أي البسوا العمائم، ويؤيده السبب الآتي وعليه ففيه أن التعمم من خصائص هذه الأمة، وفيه الأمر بمخالفة من قبلنا من الأمم فيما لم يرد في شرعنا تقريره ‏(‏خالفوا على الأمم قبلكم فإنهم وإن كانوا يصلون العشاء لكنهم كانوا لا يعتمون بها بل يقارنون مغيب الشفق وهذا مما يوهم ما قاله الجلال كما لا يخفى على أهل الكمال‏.‏

- ‏(‏هب عن خالد بن معدان‏)‏ بفتح الميم وسكون المهملة وفتح النون الكلاعي بفتح الكاف تابعي جليل ‏(‏مرسلاً‏)‏ قال أتى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بثياب من الصدقة فقسمها بين أصحابه ثم ذكره‏.‏

1145- ‏(‏أعجز الناس‏)‏ أي من أضعفهم رأياً وأعماهم بصيرة ‏(‏من عجز عن الدعاء‏)‏ أي الطلب من الله تعالى لاسيما عند الشدائد لتركه ما أمره الله به وتعرضه لغضبه بإهماله ما لا مشقة عليه فيه، وفيه قيل‏:‏

لاتسألن بنيّ آدم حاجة* وسل الذي أبوابه لا تحجب

الله يغضب إن تركت سؤاله * وبني آدم حين يسأل يغضب

وفيه رد على من زعم أن الأولى عدم الدعاء ‏(‏وأبخل الناس‏)‏ أي أمنعهم للفضل وأشحهم بالبذل ‏(‏من بخل بالسلام‏)‏ على من لقيه من المؤمنين ممن يعرفهم وممن لا يعرفهم، فإنه خفيف المؤنة عظيم المثوبة فلا يهمله إلا من بخل بالقربات وشح بالمثوبات وتهاون بمراسم الشريعة، أطلق عليه اسم البخل لكونه منع ما أمر به الشارع من بذل السلام، وحعله أبخل لكونه من بخل بالمال معذور في الجملة لأنه محبوب للنفوس عديل للروح بحسب الطبع والغريزة، ففي بذله قهر للنفس، وأما السلام فليس فيه بذل مال، فمخالف الأمر في بذله لمن لقيه قد بخل بمجرد النطق فهو أبخل من كل بخيل‏.‏

- ‏(‏طس عن أبي هريرة‏)‏ قال الطبراني‏:‏ لا يروى إلا بهذا الإسناد، قال المنذري وهو إسناد جيد قوي، وقال الهيتمي رجاله رجال الصحيح غير مسروق بن المرزبان وهو ثفة اهـ وبه يعرف أن رمز المصنف لحسنه تقصير وحقه الرمز لصحته‏.‏

‏[‏ص 557‏]‏ 1146 - ‏(‏اعدلوا بين أولادكم في النحل‏)‏ أي سووا بينهم في العطايا والمواهب‏.‏ والنحل بضم النون وسكون المهملة‏:‏ العطية بغير عوض مصدر نحلته من العطية أنحله كما في الصحاح والاسم النحلة بتثليث النون ‏(‏كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر‏)‏ لكم بالكسر الإحسان ‏(‏واللطف‏)‏ بضم فسكون الرفق بكم‏.‏ فإن انتظام المعاش والمعاد إنما يدور مع العدل، والتفاضل بينهم يجر إلى الشحناء والتباغض ومحبة بعضهم له وبغض بعضهم إياه، وينشأ عن ذلك العقوق ومنع الحقوق‏.‏

- ‏(‏طب‏)‏ وكذا ابن حبان ‏(‏عن النعمان بن بشير‏)‏ وإسناده حسن‏.‏

1147- ‏(‏اعدى عدوك‏)‏ يعني من أشد أعدائك عداوة لك، والعدو يكون للواحد والجمع والمؤنث والمذكر وقد يثنى ويجمع ويؤنث ‏(‏زوجتك التي تضاجعك‏)‏ في الفراش ‏(‏وما ملكت يمينك‏)‏ من الأرقاء لأنهم يوقعونك في الاثم والعقوبة، ولا عداوة أعظم من ذلك ولذلك حذر الله منهم بقوله ‏{‏إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم الآية‏}‏ وليس المراد من هذه العداوة ما يفهمه كثير من أنها عداوة البغضاء بل هي عداوة المحبة الصادّة عن الهجرة والجهاد وتعليم العلم واكتساب المال من غير حله وإنفاقه في اللذات والشهوات، وأكثر ما يفوت من الكمالات الدينية فبسببهم، ولا يعارضه ما مر من الأمر بالاحسان إليهن والحث على الوصية بهن وإخباره صلى الله عليه وسلم أنه يحب فاطمة والحسنين لأن المراد أنه يحسن إليهم ويتلطف بهم ويعاملهم بحسن الخلق ويحبهم ويحترس مع ذلك من إيقاعهم إياه فيما لا يسوغ شرعاً‏.‏ والعداوة من الحليلة والولد للرجل أعظم وأكثر وقوعاً لنقص عقل المرأة والصغير وعدم إلتفاتهم إلى ما ينجي في الآخرة وقطع نظرهم على تحصيل اللذات والمشتهيات وقد يتفق أن يحمل الرجل زوجته أو ولده على تحصيل المال من غير حله وإنفاقه في شهوات النفوس فيكون عدواً لهما، وقد يشتد شغف المرأة بالرجل فتكسب المال من غير حله لترضيه به وذلك كله نادر فلم ينظر إليه‏.‏